العمل التطوعي برهان إيماني ومظهر حضاري

[ساعد وطني]

د. عادل رشاد غنيم

إن استنهاض أفراد المجتمع؛ للمساهمة في العمل التطوعي، لا سيما من قطاع الشباب، يبدأ ببناء القناعة بأهميته، وتيسير مجالات المساهمة في الأعمال التطوعية، التي لا تنحصر في مجال معيّن، بل هي مختلفة ومتنوعة، في التعليم، والتدريب، والصحة والتغذية، والإغاثة والحوادث، والأمن والنظام، والتثقيف والتوعية، وبالمال والعمل البدني.
إن العمل التطوعي له بعدان.. الأول: بعد إيماني، حيث تدل الأعمال التطوعية على فاعلية الإيمان وتبرهن على رسوخه؛ ولذلك جاء في الحديث (الصدقة برهان).
والبعد الثاني: بعد حضاري، فهو يعبر عن رشد المجتمع، وقدرته على توظيف طاقاته؛ للارتقاء بأوضاعه، وبعث دوافع التنمية بمفهومها الشامل: اقتصاديا، وسياسياً، واجتماعيا، وثقافياً، وإبراز حيوية المجتمع واستعداد أفراده للتفاني والبذل.
الفرصة سانحة الآن في الإجازة الصيفية؛ لتحقيق إنجازات الخير، ومبادرات الإبداع؛ لنترك بصمة إيجابية، تدل على وجودنا الإنساني، فقد قيل (أنا أعمل إذن أنا موجود) نريد لواقع العمل التطوعي أن يشهد اهتماما وإقبالا من شبابنا، يغير العزوف عن المشاركة فيه، حيث أعلن متخصصون في المؤسسات التطوعية أن 80% من الطلاب العرب يجهلون قيمة العمل التطوعي في الإجازات!! فهل يعتبرون الإجازة (عطلة) من أي عمل أو ترفيهاً مفتوحاً؟
ومن ثم، كان لا بد من العمل على نشر ثقافة العمل التطوعي، وقيمه ومتعته وترسيخها بين أفراد المجتمع، يقتضي ذلك توافر المعلومات ووضوح المعايير وتنسيق الجهود بين كافة الأجهزة والجمعيات الخيرية، العاملة في الخدمة المجتمعية، وتفعيل دور الأسرة والتعليم ووسائل الإعلام والمؤسسات الحكومية والخاصة.
ومن الأخبار السارة، أن اللقاء التنسيقي الأول لمعايير العمل التطوعي "ناسق2014"، أعلن عن إطلاقه للمرصد السعودي للعمل التطوعي، كمركز معلومات وتبادل خبرات للمؤسسات التطوعية، كذلك إطلاق ميثاق شرف العمل التطوعي، كمعيار أخلاقي لتنظيم العمل التطوعي، يلتزم به أعضاء اللقاء من الجمعيات الحكومية والأهلية الوطنية والعربية، كما صوت اللقاء على اعتماد مسودة معايير العمل التطوعي، والتي شملت: المعايير الأخلاقية، والإدارية والتنظيمية، والتي روعي فيها خبرات وتجارب العمل التطوعي في مختلف دول العالم.
جاء ذلك خلال اللقاء الأول لمجلس الأعضاء، الأسبوع الماضي في المدينة المنورة، باستضافة من مركز العمل التطوعي بمؤسسة المدينة المنورة لتنمية المجتمع، والتعاون مع جمعية العمل التطوعي بالمنطقة الشرقية.
وهذا اللقاء سيوفر قدرا كافيا من المعلومات والمعايير التي ستساهم في إنعاش العمل التطوعي في مجتمعنا، ولكن لا بد من التأكيد على ضرورة بث الوعي بقيمته ونتائجه لدى المتطوع وبيئته الاجتماعية، ولدينا رصيد كبير من ثقافتنا الإسلامية في هذا الصدد ومن ذلك:
1- احتساب الأجر، فالعمل الصالح له أجره عند الله تعالى، لا سيما الذي يتعدى نفعه للآخرين، فعن أبي هريرةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُول الله -صلى الله عليه وسلم-: «كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عَلَيهِ صَدَقَةٌ، كُلَّ يَومٍ تَطلُعُ فِيهِ الشَّمْسُ: تَعْدِلُ بَينَ الاثْنَينِ صَدَقةٌ، وتُعِينُ الرَّجُلَ في دَابَّتِهِ، فَتَحْمِلُهُ عَلَيْهَا أَوْ تَرفَعُ لَهُ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ صَدَقَةٌ، وَالكَلِمَةُ الطَيِّبَةُ صَدَقَةٌ، وبكلِّ خَطْوَةٍ تَمشيهَا إِلَى الصَّلاةِ صَدَقَةٌ، وتُميطُ الأذَى عَنِ الطَّريقِ صَدَقَةٌ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.
2- تربية الروح الاجتماعية، ومعالجة الأثرة التي تحبس الفرد بين جدران ذاته.
وتكوين المثل الذي يريده الإسلام لنا في قول النبوة: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» رواه النعمان بن بشير وأخرجه صحيح مسلم‌.
3- اكتساب المهارات والخبرات التواصلية والقدرة على التعامل مع الآخرين، وبناء صداقات جديدة.
4- استثمار أمثل للفراغ، فإلى جانب الترويح يحسن أن ننفق بعض الساعات في تقديم خدمة أو مساعدة، ومن الفعاليات التي تتوافر في مثل هذه الأوقات: (المشاركة في المراكز الصيفية والكشافة والدورات التدريبية وورش العمل والمحاضرات والأمسيات والمهرجانات والمعارض).
5- تحقيق بعض الفوائد التي تعود إلى المتطوع، ومن الأفكار المطروحة: الأخذ بعين الاعتبار الساعات التطوعية المكتسبة من المؤسسات التطوعية المعتمدة في مفاضلة القبول بين الطلاب في الجامعات السعودية والعربية، بالإضافة إلى السعي لتشريع توثيق ساعات العمل التطوعي في الملف الوظيفي للمتطوع في جهته الوظيفية، وصرف مكافآت مالية كحوافز للمتطوعين (العاطلين عن العمل، محدودي الدخل).
إن الفرصة سانحة الآن في الإجازة الصيفية؛ لتحقيق إنجازات الخير، ومبادرات الإبداع؛ لنترك بصمة إيجابية، تدل على وجودنا الإنساني، فقد قيل (أنا أعمل إذن أنا موجود)، خاصة ونحن في شهر شعبان الذي ترفع فيه الأعمال إلى الله.
ولنستمع إلى دعوة القرآن الكريم لنا في سباق الخيرات:
«وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»، فهل نكون من الذين «يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ»؟